حرف و مهن

فن النسيج المغربي

5
(7)

يعد النسيج نشاطًا حيويًا في المغرب وهو أحد مصادر الإقتصاد الرئيسية. لهذا تولي المملكة المغربية ٱهتماما خاصا بهذا المجال الحيوي الذي عملت على تطويره وجعله في مستوى تطلعات السوق الوطنية والدولية. ومع تطور هذه الصناعة العريقة في المغرب إلا أن فن الحياكة والنسيج لازال ينظر بعين التقدير للدراية اليدوية لدى النساجين التقليديين. في هذا المقال سنتعرف على هذه المهنة في خصوصيتها المغربية الأكثر عراقة، وتسليط الضوء على الحلقة الأساسية في هذا الفن وهي النساجة المغربية.

هوية جماعية

حسب بيانات رسمية لوزارة الإتصال المغربية، فالنسيج ظهر في المغرب في وقت مبكر من 1500 قبل الميلاد. إنه جزء من الثقافة الحرفية التي تدخل في دائرة المطالب اليومية في العالم الريفي بين جبال الأطلس الممتدة على طول التراب المغربي. حيث هناك رغبة كبيرة في الحفاظ على هذه المعرفة وتوريث طقوسها للأجيال.

وقد أظهر المتخصصون في الأبحاث التاريخية لحضارات البحر الأبيض المتوسط أن هناك علاقة بين
فن رسومات الفضاء من العصر الحجري الحديث ​​والسجاد الأمازيغي. فالدوائر والحلقات الموجودة في كهوف رسمها إنسان العصر الحجري الحديث وعلى صخور منقوشة برموز فلكية، تحملها الزرابي الأمازيغية اليوم. وفقا لهذه الأبحاث فالنسيج هو عنوان نساء من هذه المنطقة من البحر الأبيض المتوسط، وتعكس المعتقدات المخزونة في الذاكرة والذي تحسن الأنامل تنزيلها على النسيج وتخليدها عبر الفن اليدوي.

النساجات: قصة أقدم حرفيات في الحضارة المغربية

لطالما كان النسيج من ٱختصاص النساء في المغرب. إنهن يسردن تراث أقدم حضارة في شمال إفريقيا، تراث النساء في الريف وجبال الأطلس في المغرب اللائي ينقلن من الأمهات إلى البنات دراية الأجداد. إن المرأة هي التي تهتم بجميع المهام التي تتم بعد قص الصوف وتجهيزه وغسله وصبغه وتخزينه وغزله ثم تجميع النول ومن ثم النسيج. تعرف النساجات عن ظهر قلب الأنماط القبلية ذات الشكل الهندسي الممزوجة برموز كتابات التيفيناغ تعبيراً عن الهوية الأمازيغية، هذه الرموز نجدها في صنف الزرابي المغربية في كامل التراب الوطني. ومنذ القدم يعد النسيج نشاطًا حيويًا لهذه العائلات وهي أحد مصادر دخلهم الرئيسية.
تستخدم النساجات موادا جمالية من المواد الطبيعية، وتنسج عبرها لوحات فنية بتقنيات هندسية دقيقة تمثل آثار الإنسانية التي شكلتها الأيدي الحرفية مما يمنحها قيمة لانهائية.

أَزْطّا: حكاية ممزوجة بالعرق والأحلام

أَزْطّا هو الإسم الأمازيغي الذي يطلق على النول التقليدي. تتكلف النساء بعملية الإنتاج بجميع مراحلها. إنهن المسؤولات عن هذه الصناعة التي يستثمرنها في الأنشطة المنزلية والإقتصادية ذات القيمة المضافة. وقد خلقن تعاونيات مدعمة من المغرب ومن منظمات دولية لدعم هذا الإنتاج الكفيل بإعالة الأسر والحفاظ على مهنة يدوية عمرت قرونا من الزمن. يظل النول تقنية تجسد الرابطة الوثيقة بالحياة، من خلاله تتجسد علاقة وطيدة بين المرأة والحقول والسماء والحياة، تنساب قوة المرأة عبر النسيج الذي يحمل حكايتها الإنسانية. تحكي من خلاله نبضات أحلامها وقصة الحياة والولادة، الزواج، الحب والموت..إنها فلسفة حياة تعبر عن نفسها من خلال النسيج الذي يكسو الأجساد، الجدران وغرف البيوت، يراه الزائر في أزقة المدن العتيقة معلنا عن نفسه في عروض فسيحة بعيدا عن أوراش العمل. إنها مرآة تعكس عالما من الجهد، وأيضا مرآة المشاعر والعواطف والأفكار.

الصوف: المادة المباركة

الصوف يمثل قاسما مشتركا في جودته ونقائه ونعومته في صناعة النسيج التقليدي في المملكة المغربية. إن الغزل ومعالجة الصوف تقنيات عريقة تتم عن دراية موروثة وٱنتقاء دقيق حريص على الجودة. إن هذه العملية التقنية لا تتم فقط وفق سلسلة من المراحل المعالجة، بل وهذا ما يمثل إحدى أسرار هذه العملية، إن النساجات الأمازيغيات يحملن معتقدا راسخا حول الصوف، إنه هدية من الجنة في نظر القبائل الأطلسية العريقة، لذا فهو مبارك. وهذا يشكل فارقا ينعكس على أسلوب التعامل مع الصوف مما يعكس شهرة السجاد الأمازيغي الذي أصبح علامة تجارية عالمية.

النساجة: عالم ٱمرأة

تحرص النساجات على الإشتغال بالمواد الأولية الأصيلة بإحساس ورؤية، الصوف والألوان. إنها روح هاته المبدعات ما تراه في منتوجاتهن.
ففي الزرابي وهي إحدى أهم منتجات النسيج، تحمل أسماء القبائل التي أنتجتها كالزربية الزمورية من إنتاج
منطقة زمور، والزربية المڭيلدية من منطقة بني مڭيلد، وهكذا.
إن العناصر الزخرفية الدقيقة في الزرابي تمثل فيها الأرض بعدا ذو تيمة متكررة، تأتي زخارفها على شكل مستطيلات، مربعات، معينات ودوائر، خطوط ممددة، الماس والمثلثات، النجوم، الخطوط المتعرجة، و حروف الأبجدية الأمازيغية، تجتمع كل هذه الأشكال لتمثل هندسة نسيجية فريدة ومعبرة عن الإنتماء الحضاري للنساجات الرائدات. في فن الألوان اليوم وفي الأوراش الصناعية الكبرى تختلط المواد الكيميائية والتقنيات الجديدة بالتقنيات الأقدم. لكنه مع النساجات الأمازيغيات في أعماق الأطلس تظل الألوان محتفظة بطرق صناعتها التقليدية. إن النساجة التقليدية تحرص على تقديم سجادة بيولوجية من صلب الطبيعة. يعتبر اللون الأحمر مشتركا بين كل أنواع النسيج المغربي الذي حينما تلتقي به فإنك في الحقيقة تلتقي بالمرأة النساجة، ترى مهارتها اليدوية، ذوقها الفني المرهف، وفلسفتها في الحياة.

قطعة فنية: قطعة من حياة إنسان

تجلس النساء ساعات على الأرض يمشطن ألياف الصوف المجعد بأدوات تستخدم لفصل الصوف، ثم يغزلنه بخبرة عالية، ويجهزن النول، ثم يبدأن النسج بخيالهن الواسع. حينما تنظر إلى سجادة مغربية فأنت تنظر إلى ٱمرأة جلست ساعات تنسج تحفة من قلبها. وحينما تمتلك هذه السجادة فأنت لا تمتلك فقط قطعة فنية بل أنت تمتلك بين يديك قطعة من حياة إنسان.

 

ما مدى فائدة هذا المقال؟

انقر على نجمة لتقييمها!

متوسط ​​تقييم 5 / 5. عدد الأصوات: 7

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يضع تقييم.

خديجة يكن

قصاصة وروائية. كاتبة مقالات. مغربية أبدية، حالمة أبدية، أشارككم أفضل ٱكتشافاتي في مختلف المجالات الخاصة بالمغرب. بفضل هذا الموقع يمكنك أن تجد مقالات مثل الخطط الجيدة. تابعني في شغفي!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى