مثل كل عام، في نهاية عيد الأضحى، يعود احتفال بيلماون الشهير! هل تعلم لماذا نحتفل ب بيلماون؟ من أين أتى هذا التقليد؟ هل هو مخيف؟ لماذا لبس جلد الكبش؟ مرحبا! هنا أصل و تاريخ بيلماون.
التقاليد الأمازيغية الشعبية القديمة
تعود أصول حفلة بيلماون و ترجمتها الحرفية إلى العربية ” سيد الجلود”، و بالدارجة المغربية ” بوجلود” إلى تقليد شعبي أمازيغي قديم جدا. تعتبر حفلة بيلماون بابا مفتوحا بين عالم الإنسان الأمازيغي القديم و العالم السماوي. هذا مثير! أجل.
كان للحفل ذكريات شخصية، يستمتع الكبار و الصغار، و تعم الرقصات الشعبية و الأهازيج أرجاء سوس، يبدو الفرح على موعد بهيج كل عيد أضحى بشكل عفوي، لكني لم أرغب أن أتوقف عند هذا الحد العادي، أردت أن أعرف المعنى العميق لحفل بيلماون. و إن كان الحفل منفصلا عن المعنى القديم أم لا زال مستمرا. و ما معنى أن تلبس جلد الكبش و تجوب الأزقة و الشوارع. و ماذا عن المغرب في كل هذا. قبل أن يتحول الحفل إلى كرنفال سياحي كان له معنى عميق. هكذا بدأت أحفر، لأستخرج لك أسرار بيلماون المدهشة.
من أين أتى بيلماون؟
مع اعتناق الأمازيغ للإسلام، أحضروا معهم إلى عالم الدين الجديد حكاياتهم و أساطيرهم، لم ينفصلوا أبدا عن تراثهم و عاداتهم القديمة، هكذا أصبح حفل بيلماون تقليدا شعبيا في كافة أرجاء المغرب بعد أن أحضروه معهم من عالمهم القديم جدا. و مع مرور الزمن بدأ يتقلص من جهات لم تعد تمارس هذا الحفل رغم أنها ظلت تتذكره في مخزونها الثقافي الجماعي. انحسر بو سبع بطاين أو سيد الجلود السبعة من بعض مناطق البلاد و بقي خيالا في الذاكرة. لكن المناطق التي لم تفقد هويتها الأمازيغية ظلت تمارس هذا التقليد الشعبي الذي له أرشيف مصور يعود إلى بدايات القرن العشرين.
مثل كل سنة و عقب كل عيد أضحى يحتفل المغاربة بحفل بيلماون. تشد العائلات الرحال إلى سوس، تلك الجهة التي ظلت تحتفظ بتقاليد بوجلود حية عبر القرون. فكان من الطبيعي أن يتطور الحفل إلى كرنفال انطلاقا من جهة سوس و بالضبط في عاصمتها الشهيرة أكادير، التي سهرت على تنظيم التقليد القديم و إعادته بقوة إلى الساحة الوطنية. لكن، هل أنا أخبرتك من أين أتى بيلماون! اكتشف ذلك في الفقرات الموالية.
ما هي تقاليد حفل بيلماون؟
تقليديًا، في حفل بيلماون، يرتدي الشباب جلود الأكباش المضحى بها في عيد الأضحى. طبعا تكون هذه الجلود معالجة و غالبا ما يتم استخدام جلود معدة سابقا قبل أسابيع من عيد الأضحى، يتم تطهيرها و إعدادها للحفل. يضعون أقنعة من الجلود و قرون الكبش على الرؤوس. ينطلقون عبر الأزقة يجرون و يمشون في استعراض للأقنعة المثيرة. يتنافسون حول أفضل قناع، و يتفنون في إبداع أشكال تنكرية من أجل جائزة أحسن قناع بيلماون.
في الماضي كان حفل بيلماون مسرحية كوميدية، يحضرها جمع غفير من الناس لمتابعة الأداء الفني لشخصية تلبس الجلود و مقنعة بهيأة كبش، مع شخصيات أخرى تؤدي أدوارا تمثيلية شعبية هدفها الفرجة و الإستمتاع.
هل تظنه هالوين! لا…لا يرتبط بيلماون بتقاليد الخوف، فهو لا يشبه في معانيه حفل الهالوين. لكنه انفتح على مواضيع جديدة و أقنعة لشخصيات عالمية أو كرتونية حتى أصبح بيلماون فضاء في قمة الإبداع.
في الواقع ، كان لدى الشباب المغربي تقليد طويل يتمثل في ثقافة الفرجة المقنعة. فالأقنعة ليست للتخويف، و هي تمثل شخصية الكبش الأساسية و توسعت لتشمل ما يحبه الشباب من شخصيات خرافية و واقعية. فقد كانت منذ البداية حفلة الممكن لكل ما كان ممنوعا. فقد سمح هذا الاحتفال بقلب الأدوار، فشخصية المرأة يؤديها رجل، و عادات اللباس يتم تجاوزها في أقنعة تنكرية. و اليوم دخلت الفتيات عالم بيلماون المقنع! الحقيقة أضفت المرأة المغربية لمسة أنثوية على كرنفال بيلماون.
إن بيلماون في الواقع هو ثورة على القيود الإجتماعية، و ممارسة يجد فيها الشباب تعبيرا عن آراء و نقد و طموح من خلال الزي التنكري.
بيلماون: هل هو طقس وثني؟
هناك من يظن أن بيلماون أو بوجلود هو طقس وثني قديم، و هذا لم يقله أحد من المؤرخين المتخصصين، ففي كتاب “البربر ذاكرة و هوية” لغابرييل كامبس، جاء فيه أن الكبش لم يكن وثنا يعبد. كما أن نقوشات أثرية من العصر الحجري الحديث أظهرت الأكباش مزينة يمشي أمامها رجل، بينما الحيوانات المقدسة يمشي الرجال خلفها و ليس أمامها. إن الرجل الذي يمشي أمام الأكباش في النقوشات الأمازيغية يدل على تقديم الأكباش قرابينا للإله، و هذا ما يؤكده المؤرخ المغربي الدكتور عبد الحق كُلاَّب، أستاذ أخصائي التاريخ في جامعة القاضي عياض بمراكش. و حسب أبحاث المؤرخ المغربي فنقائش قرابين الأكباش دليل على أن الوحدانية عقيدة عرفها الأمازيغ قرونا طويلة قبل بعثة نبي الإسلام، و هذا يفسر تقبلهم للدين الإسلامي لأنه يتطابق مع وحدانية الإله الذي قدموا له قرابين الأكباش.
لماذا اختار الأمازيغ الكبش قربانا ؟
يطرح المؤرخ المغربي هذا السؤال مشيرا أن هذه القرابين ممارسة كانت تمارس عند الأمازيغ قبل النبي ابراهيم عليه السلام، 1400 أو 1200 ق.م. إن هذه النقائش يضيف المؤرخ المغربي الدكتور عبد الحق كُلاَّب تدل على أن الأمازيغ عرفوا التوحيد باكرا و قدموا الكبش للإله. فحفل بيلماون هو طقس ديني أمازيغي قديم يرمز إلى تقديم القرابين للإله الواحد.
توارث المغاربة الاهتمام بالكبش في حياتهم الإقتصادية و المعيشية إضافة إلى حياتهم الدينية، فقد جاء في كتاب المسالك و الممالك لأبو عبد الله البكري، متحدثا عن أحواز الأطلس الكبير قائلا أن بها أسواقا جامعة، و سوق أغمات و أوريكا يقوم بها يوم الأحد (…) يذبح فيها أكثر من مائة ثور و ألف شاة. إن شهادة البكري تدل على أن الكبش كان محور الإنتاج الكبير في المغرب منذ زمن قديم و أنه تذبح الآلاف منه يوميا خلال الأسبوع.
ما رأي المغرب في كل هذا ؟
لقد دخل بيلماون اليوم إلى التراث اللامادي للمغرب و أصبح رافعة للإقتصاد الوطني. في عالم تبحث فيه الدول عن أي شيئ متوارث لديها لتركز عليه اقتصادها السياحي، بل و هناك من البلدان من تختلق هذا التراث و من تستورده من شعوب أخرى، المغرب يظل حضارة فريدة بأصالة إرثه الاحتفالي و إنتاجه الذاتي لبصماته التراثية التي تعود إلى آلاف السنين.
تطور احتفال بيلماون و أفسح المجال اليوم للرقصات و مختلف أنواع فن السيرك المقنع. مواضيع كرنفال بيلماون صار يمتح من الأساطير الأمازيغية بموازاة مع التقنع بهيأة الكبش التقليدية. و قد أظهر بوجلود أن قناع الكبش التنكري إرث قديم في الثقافة الأمازيغية بعد أن اعتبرت الأقنعة مجالا خاصا بالثقافة الرومية الشهيرة خاصة في البندقية في العصور الوسطى. لقد اختار المغرب الاستثمار في حفله الشعبي، إنه قرار بلد يقدر إنتاجه الخاص.
خدمة التراث التاريخي الأمازيغي
بيلماون لم يعد فقط مشهدا احتفاليا محليا، لقد تطور إلى كرنفال يتم تنظيمه بقانون مرخص وفق برنامج يتضمن عروض الكرنفال و محاضرات و ندوات حول الثقافة اللامادية للمغرب. لقد صار حدثا عالميا لمدينة أكادير التي كان لها الفضل في فرصة السبق بالاهتمام بتراث بيلماون التاريخي. يلعب هذا الحدث دورا رئيسيا في تسليط الضوء على الجذور الأمازيغية للسكان. و في دمج جميل للسياح من بقاع العالم في هذه المناسبة التي تعتبر نافذة للتعبير عن هوية المغاربة و عن تقاليدهم الاحتفالية الشعبية.
خلاصة: لقد تعرفت الآن على الأصول التاريخية لكرنفال بيلماون. و اكتشفت من أين أتى هذا الإحتفال و قصة ارتداء الجلود و أقنعة الكبش، و أن هذا التقليد ليس إخافة للنفس مثل الهالوين الأمريكي، بل هو ربط الحاضر بالماضي و بناء المستقبل عبر تطوير الحفل التقليدي إلى كرنفال بيلماون الدولي للتنكر و الأقنعة.
وأنت هل جربت قناع الكبش! لا تحرم نفسك بهجة الحفل التنكري في كرنفال الكبش في المغرب. في نهاية عيد الأضحى من كل سنة في أكادير، استمتع بمشاهدة حفل الجلود و الأقنعة و الألوان.
إن أعجبك المقال، تفضل بمشاركته!
أهم غرائب و عادات المغاربة في عيد الأضحى
كرنفال بيلماون، حفلة جلود الأكباش
ماذا تعرف عن السنة الأمازيغية
أجمل 3 أساطير مغربية
أفضل11 أنشطة سياحية في أكادير