ماذا تعرف عن الطربوش المغربي؟
الطربوش المغربي من أقدم الموروثات المغربية العريقة، أكيد أن الكثيرين لايعرفون تاريخه، والأكيد أيضا أنه لدينا ما نخبركم به عن هذا الطربوش الجميل. يسرنا أن نلتقي مجددا في Numero1.ma موقعنا الفخور بمغربيته. تابعونا فالفخر يعدي!
تاريخ الطربوش المغربي
ظهر الطربوش في المغرب قرونا طويلة قبل الإسلام. لكن الكثيرين يظنونه تركيا وآخرون يعتبرونه بلقانيا. ومع ذلك لا أحد من العثمانيين الأتراك نسبه لحضارتهم، إنهم يسمونه بطربوش فاس، وهذا يدعو للتساؤل، لماذا أطلق العثمانيون إسم فاس على هذا الطربوش؟. لقد كان العثمانيون أمناء في ٱعترافهم بأصل الطربوش المغربي، وذلك لأنه معروف عن الأتراك ٱعتزازهم بعمامتهم الكبيرة كاليونشو، ولايريدون التنقيص منها أمام أي غطاء رأس آخر. وقد كانت قصة لقائهم بالطربوش المغربي مثيرة، سنتعرف عليها في الفقرة الموالية.
قصة لقاء
في رحلة خوسروف باشا العثماني إلى البحر الأبيض المتوسط، دخل مع رفاقه إلى المغرب، وعند عودته إلى إسطنبول أحضر معه بعضا من الجنود المغاربة وهم يرتدون الطربوش. أعجب به السلطان العثماني محمود الثاني فأحب وضعه على رأسه، الشئ الذي لم يتقبله جزء كبير من رجال الدين في الدولة العثمانية، الذين رفضوا وضع هذا الطربوش على رأسهم بدعوى أنه لا يرمز للهوية العثمانية ولن يحل محل العمامة التركية التي تنتمي إليهم. لكن سرعان ما ٱنتشر الطربوش المغربي بين أعيان وقادة السلطة العثمانية ليتطور الأمر سنة 1840م إلى ٱعتبار الطربوش المغربي جزء من الزي الرسمي للجنود الأتراك، وسموه بطربوش فاس، ويعني طربوش المغرب، لأن العثمانيين كانوا يسمون المغرب بفاس بسبب أن العاصمة في الفترات التي تعرف فيها العثمانيون على المغرب كانت هي فاس، ولحد اليوم لازال الأتراك يسمون المغرب بفاس.
فقط في القرن 19م تعرف الأتراك العثمانيون على الطربوش المغربي، فنقلوه إلى بلادهم ومن ثم ٱنتشر في مستعمراتهم مثل مصر، الأردن، والشام. ولكن كمال أتاتورك أصدر عام 1925 م، أمراً بإلغائه.
ماذا يقول المؤرخون؟
في القرن 16م كتب عنه الرحالة المغربي الشهير ليون الإفريقي “الحسن الوزان” مايلي: “أهل فاس المغربية يغطون رؤوسهم بطاقية مصنوعة من اللباد الأحمر”. اللباد الأحمر هو نوع من القماش من ألياف الصوف وتلبد في المغرب لصنعه بالصابون الأسود المغربي، وقد كانت الطرابيش في الماضي تُصْبَغ بصِبْغة مصنوعة من عصير التوت الأحمر. كما تحدث عنه “العربي المقدسي” في القرن 10م قائلا أن ” أهل فاس كانوا يغطون رؤوسهم بطاقية حمراء”.
وفي مذكراته عن مدينة فاس، كتب الدبلوماسي الفرنسي لوي شينيي بتاريخ 10 نونبر 1775 أن “الفرنسيين يقلدون الأتراك في تسمية الطربوش بفاس “Fez” وأنه إذا كان الأتراك سموه بهذا فلأنهم دأبوا على استيراد الطربوش من فاس”.
ماذا تقول الآثار؟
إن المرجعية التاريخية للطربوش المغربي ضاربة في عمق الأرض المغربية، وجذورها تعود إلى الممالك الأمازيغية القديمة، مثير أليس كذلك!. هذا ما وضحته الإكتشافات الأثرية، ويجب الإشارة أن الطربوش المغربي كما ظهرت في النقوش الأثرية تؤكد ما وصفه المؤرخ اليوناني سترابون حين قال بأن الأمازيغ كانوا يحرصون ألا تنكمش قبعاتهم وهذا ينطبق على الطربوش في الصورة ومثيلتها في العملة الأثرية. وقد تطور شكل الطربوش إلى الشكل المعروف اليوم دون التخلي عن الشكل القديم.
ففي مدينة ليكسوس الأثرية بالمغرب اكتشفت عملة أمازيغية من الفترة المورية تعود للقرن الأول قبل الميلاد، وهي تؤرخ لملك أمازيغي يضع طربوشا بشاشية، يقابله في الوجه الخلفي للعملة، رسم لمذبح هيكل مقدس بأعمدة أنيقة على شكل قرون مزخرف على واجهة سقيفته ما يعرف بشعار الصاعقة. هذه العملة معروضة في متحف كوبنهاجن بالدانمارك.
لوحات لفنانين عالميين من فترات زمنية مختلفة، و مآثر أركيولوجية تبدأ منذ ما قبل الميلاد، و شهادات تاريخية لدبلوماسيين ومؤرخين أجانب، كلها تصف الطربوش المغربي و أصالته المغربية. وقد أكد سترابون المؤرخ اليوناني في القرن الأول قبل الميلاد عندما وصف الأمازيغ بأنهم “عند ٱرتداء القبعات فقد كانوا يحرصون كل الحرص على ألا تنكمش أو تفقد شيئا من رونقها و جمالها”. وقد قال أن الأمازيغ المور كانوا “يلمون بأدق التفاصيل عند صناعتهم للملابس .. يستعملون فراء الأسود و الحيوانات الضارية كأغطية للنوم”، ثم وصف فرقة المشاة من الجيش البربري بأنها “تلبس عادة زيا حربيا متكاملا من جلد الأسود، الدببة أو الفهود، كحامي للصدر أو غطاء وراء الظهر و تتسلح بدرع مسلح بجلد الفيل”.
إكسسوار عريق
إن الطربوش المغربي أحد إكسسوارات الملابس المغربية العريقة، وهو يدل على مهارة الصانع المغربي منذ آلاف السنين، والمثير جدا أن هذه المهارة مستمرة لحد اليوم، إن المغاربة يلبسون ما ورثوه من أجدادهم القدماء، وهذا يؤكد الروح الإنتاجية لدى الشعب المغربي والتي حققت له الفرادة في اللباس الخاص به، وكل هذا يمنح الإحساس بالسيادة. ٱشتهر هذا الطربوش في البلدان القريبة والبعيدة، وكان سلاطين وملوك المغرب يقدمونه هدية لزعماء الدول ويرسلونه لملوك البلدان مع رحلات سفرائهم. واليوم، يحرص السياح بأخذ هذا التذكار معهم وٱلتقاط صورة مع الطربوش المغربي. تعرف على مزيد من أغطية الرأس من إنتاج الثقافة المغربية، سجل في نشرتنا الإخبارية وكن من المساهمين في التعريف بالحضارة المغربية.